الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

الإسكندرية عبر العصور ..


في تجربة تعد الأولى من نوعها قامت كلية الآداب بجامعة الإسكندرية بإصدار موسوعة عن الإسكندرية عبر العصور ضمت خمسة أجزاء لكل جوانب الحياة السكندرية قديما وحديثاً وعلى مر العصور من خلال الأبحاث والدراسات التي قدمها أساتذة جامعة الإسكندرية في كلية الآداب منذ نشأتها وحتى العصر الحديث وعن هذه التجربة يقول الدكتور فتحي أبو راضى عميد كلية الآداب بالإسكندرية أن الإسكندرية تعيش الآن مرحلة مهمة في تاريخها العريق، مرحلة تستعيد فيها ماضياً زاهياً كانت فيه درة العالم القديم، إليها يأتي العلماء والفلاسفة ومنها تخرج الأفكار الجديدة التي تؤثر حتى في الحضارات التي سبقتها في الساحل الشمالي لحوض البحر المتوسط، كانت الإسكندرية في تلك الفترة مركزاً للعلم والعلماء، وفى جامعتها القديمة دارت مناقشات وألفت كتب، كانت هناك حيوية ثقافية نجد أصداءها في الكتب القديمة التي ألفت عن الإسكندرية، حيوية لاحظها العرب أيضاً حين فتحوا مصر، واستقر بعضهم في الإسكندرية، فأصبحت الإسكندرية مكاناً يحط فيه كثير من العلماء يؤلفون كتبهم ويستقرون بها ويقيمون فيها، لقد عادت الإسكندرية إلى الواجهة الثقافية بقوة مرتين: المرة الأولى حين أنشئت جامعتها في بداية الأربعينات من القرن العشرين وكان إنشاؤها حدثاً مهما، لأنها ساعدت على تهيئة تربة علمية ملائمة نبت فيها كثير من الأسماء التي تفخر بها مصر كلها، والمرة الثانية حين أعيد إنشاء مكتبة الإسكندرية لتواصل رسالة كانت قد بدأتها المكتبة الأولى التي كانت أهم مكتبة في العالم القديم. وقد فكرنا في كلية الآداب أن نحتفل بافتتاح مكتبة الإسكندرية وأن نشارك في هذا الاحتفال مشاركة علمية فعالة، وكان اقتراحاً من الدكتور ماهر عبد القادر أن تجمع البحوث التي كتبت عن الإسكندرية في مجلة كلية الآداب في عدد تذكاري يخرج مواكباً لافتتاح المكتبة، وهو اقتراح وجد صداه الإيجابي لدى عمادة الكلية، وحين بدأ العمل في إصدار هذا العدد التذكاري، اكتشف أن الباحثين في كلية الآداب، وفى بعض الجامعات بمصر وخارجها، اهتموا اهتماماً كبيراً بالإسكندرية، والنتيجة أن ما تجمع من بحوث فاق ما توقعناه، وبخاصة أنها بحوث غطت كثيراً من جوانب الحياة في الإسكندرية، ماضيها وحاضرها، بحوث عن الكيفية التي أنشئت بها الإسكندرية وعن الإسكندر مؤسسها وعن البطالة وعن الحركة الأديبة في عصرهم، وبحوث عن الإسكندرية الإسلامية بعلاقاتها مع الحجازيين والمغاربة، والإسكندرية أثناء الحروب الصليبية، والإسكندرية في حركتها الأدبية الحديثة، وغيرها من البحوث التي يصعب أن نأخذ واحداً منها ونترك آخر لا يقل أهمية، لقد كانت النية بادئ الأمر أن تصدر ثمانية أعداد خمسة منها للبحوث العربية، وثلاثة للبحوث المكتوبة باللغتين الإنجليزية والفرنسية ثم استقر الأمر أخيراً على خمسة أعداد، ثلاثة للبحوث العربية واثنان للغات الأخرى مع الاحتفاظ بكل ما كتب عن الإسكندرية في مجلة كلية الآداب.
ونحن نأمل أن تساعد هذه البحوث على تسهيل مهمة الباحثين الذين يرهقهم البحث عن الأعداد القديمة من المجلة وكثيرا ما لا يستطيعون العثور عليها، نقدم لهم هذه البحوث الجادة التي تلقى أضواء ربما تكون خافية على بعض المتخصصين، وكثير من غير المتخصصين، أضواء تذكرنا دائماً بأن الإسكندرية ذات تراث عريق، وذات إسهام لا يمكن إنكاره في مسيرة الحضارة الإنسانية كما تضع أمام أعيننا أن بجامعة الإسكندرية وبكلية الآداب مدرسة علمية عريقة وأصيلة
ويقول د. ماهر عبد القادر وكيل الكلية ورئيس تحرير المجلة..إن الإسكندرية عاصمة العواصم الثقافية في العالم منذ تأسيسها على أيدي الإسكندر الأكبر ثم البطالمة من بعده وها هي الإسكندرية الآن تستعيد مكانتها الثقافية بين مدن العالم المتحضر، بعد أن ظهرت مكتبتها التي تألقت في العالم القديم إلى الوجود مرة ثانية، وبدأ العالم الحديث يزدان بها. وقد كانت مجلة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية نافذة ثقافية مهمة نطل منها جميعاً على العالم وهذه المجلة وهى تمارس دورها اليوم بفاعلية شديدة، أثرت أن تقدم باكورة أعمالها في هذه المجلدات التى تحتوى على مجموعة من البحوث الرائدة لأساتذة وعلماء أفاضل أثروا الحياة الثقافية فى مصر والإسكندرية على إمتداد أكثر من نصف قرن، أما المجلد الأول فنجد فيه مجموعة من البحوث الرائدة نبدأ ببحث ركز فيه الدكتور زكى على فى بحوثه على بعض الجوانب المهمة فى تاريخ الإسكندرية الحضارى منذ عصر البطالمة، وفى هذا الصدد دون بحثه المهم بعنوان "الإسكندرية: تأسيسها وبعض مظاهر الحضارة فيها فى عصر البطالمة" وفى هذا البحث نجده يبدأ ببيان أن الإسكندرية تعد من أهم المدن التى أنشأها الإسكندر الأكبر ثم يشرح فى بيان تفاصيل تأسيسها، عارضاً لوصف استرابون لموقع الإسكندرية الاستراتيجى وكيف اختار الإسكندر هذا الموقع الفريد الذى تشابه مع موقع مدينة صور، حيث كان ينوى أن تمثل الإسكندرية نفس الدور الذى مثلته صور من الناحية الحربية، وبعد ذلك ينتقل الدكتور زكى على إلى بيان وصف الإسكندرية، ثم يعرض لتخطيط مدينة الإسكندرية فى عهد بطليموس الأول ثم سكان الإسكندرية، حيث ظهر منذ نشأتها أنها ستكون كالبوتقة تلقى فيها عناصر مختلفة من شعوب الشرق والغرب، وبلاد الإغريق ومصر وآسيا، وممالك لم تعرف من قبل وأنها ستقوم بنصيبها فى بناء حضارة جديدة تكون مزيجاً من ثقافات وحضارات شعوب مختلفة وقد أوجد فيها اليونان فى أول القرن الثالث ق.م. كل مظاهر المدينة اليونانية ومميزاتها، ولذلك هرعوا إليها، كما كان يوجد بالمدينة منذ تأسيسها جالية من اليهود زادت أعدادهم مع توالى الزمن حتى أصبحوا كثرة لها منزلتها وأهميتها.
أما عن دستور المدينة فيذكر أنه ليست لدينا معلومات وثيقة وبأن التفاصيل المتعلقة بكبار الموظفين بها واختصاصهم هى لسوء الحظ غير ميسورة، لذلك عمد إلى إعمال الحدس والتخمين كما يتصور ما كانت عليه الحال إذ ذاك.
ثم يعرض الدكتور زكى على حيث عرض للقوانين المرعية بالإسكندرية فى القرن الثالث ق.م. ومنها الحقوق القانونية لبعض طبقات السكان فى الإسكندرية والتى تنص على أنه "لا يجوز لأحد أن يقيم الدعوى على أحد آخر ممن أنفذهم الملك فى خدمته، لأعلى أشخاصهم ولا على ضامنيهم، كما لا يحق لمن يوكل إليه أمر التنفيذ ولا لأحد من أعوانه أن يلقى القبض على هؤلاء.. إلى غير ذلك من القوانين وعقوبات التعدى عليها.
ثم ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى بيان أهم معالم الإسكندرية فى هذا العصر، ومنها المنارة المشهورة التى بدت للغادى والرائح فى أبهى حلة وكانت أول الأبنية العامة التى أقيمت من هذا النوع حتى غدت إحدى عجائب الدنيا، ثم ينتقل المؤلف إلى بيان كيف أن الإسكندرية كانت مركزاً للثقافة بفضل الأكاديمية التى كانت عبارة عن جامعة كبرى أو على الأقل محفلاً جامعياً أشبه بإحدى كليات جامعتى اكسفورد وكيبردج فى نظمها وتكوينها، فكان العلماء والأدباء من مختلف الأجناس والأقطار يلتقون فيها وتغدق عليهم الحكومة البطلمية المستنيرة من خيراتها ما يشجعهم على الإنتاج العلمى والفكرى، بل وتمنحهم مرتبات من خزانتها الملكية فى سخاء، وينهى المؤلف بحثه ببيان حال الإسكندرية فى أواخر عهد البطالمة، فيقرر أنها شهدت طوال القرون الثلاثة من حكم البطالمة أحداثاً عظيمة تركزت فيها آمال البطالمة الذين اختصوها بجل عنايتهم، فكان حظها من النجاح وافراً وتقدمها سريعاً، وهو يرجو أن تكثف أعمال الحفر والتنقيب بها من آثار تزهو على غيرها من مدن مصر القديمة، كما يرجو أن تستعيد سيرتها الأولى.
وفى دراسة "كليومينيس وسياسته المالية فى مصر فى عهد الإسكندر الأكبر" يقدم لنا الدكتور مصطفى العبادى تحليلاً رائعاً للسياسة الاقتصادية التى أرساها الإسكندر الأكبر فى مصر حين جاء إليها فاتحاً، وأثر هذا فى نهضتها الاقتصادية فى أوائل عهد البطالمة. ويبدأ المؤلف بالإشارة إلى أن عصر الإسكندر يعتبر من أهم فترات التحول والانتقال فى التاريخ العام، ذلك أن عالماً جديداً فى سياسته واقتصاده واجتماعه كان على وشك أن يولد، لهذا كانت دراسة الرجال الذين اعتمد الإسكندر عليهم والذين شغلوا مناصب أساسية فى حكمة بالغة الأهمية لفهم ذلك العصر والتطورات التى حدثت فيما بعد، ولقد كان كليومينيس أحد أولئك الرجال البارزين، إذ تركه الإسكندر للإشراف على مالية مصر، فأصبح سيد الموقف بها والمتصرف الأول فى شئونها طيلة حياة الإسكندر، وقد أجاد المؤلف فى تصوير منهج وأسلوب كليومينيس، وكيف أن جميع أعماله كانت تهدف إلى غاية واحدة وهى صالح الخزانة وهو فى ذلك لم يقصر نشاطه على القيام بأعمال أمين الخزانة، ولكن دبر أمر خزانة الدولة على نحو ما يدبر التاجر حسابه الخاص. ولذلك فإن أعمال كليومينيس نعتبر تجربة لها أهميتها بالنسبة لدارسى تاريخ الاقتصاد والمال. ومما يؤكد هذه الفكرة هو ما ترويه الأخبار أن بطليموس الأول سوتر الذى تولى حكم مصر بعد وفاة الإسكندر تسلم خزانة الدولة من كليومينيس وبها 8000 تالنتوت، وهو مبلغ ضخم يثبت أن أرباح كليومينيس يعتبر أكبر خدمة قدمت للبطالمة بالذات، فبالإضافة إلى خزانة غنية، أورثهم تجارة خارجية على أسس منظمة مكنتهم من انتهاج سياسة مماثلة زمن البطالمة الأول حين كانت تجارة القمح الخارجية هى من أهم عمد سياستهم الاقتصادية.
ويتناول البحث الرابع الذى يقدمه الدكتور فوزى الفخرانى مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالإسكندرية كمدينة وهى "حمامات الإسكندرية الرومانية" حيث يشير إلى أن حمامات الإسكندرية الرومانية لم تنل أى قدر يذكر من اهتمام الباحثين، وتكاد تخلو منها الكتب التى تتناول الحديث عن الإسكندرية، ولذا وجدنا الدكتور الفخرانى يبدأ دراسته بالحديث عن الحمامات فى روما ويصفها بصورة دقيقة مدعماً إياها بالصور، ويقدم الدكتور الفخرانى نموذجاً لحمامات الإسكندرية وهو حمام كوم الدكة الذى يعد أصغر حجماً من الحمامات الرومانية وأقل منها زخرفة، ويشير أيضاً إلى أن هذا الحمام قد تهدمت أكثر أجزائه ولم يبقى منه إلا القليل، ويشير الدكتور الفخرانى إلى بعض الحمامات الأخرى التى وجدت فى الإسكندرية مثل حمام أبى صير وحمام أبى قير، على سبيل المقارنة مع حمام كوم الدكة.
والملاحظ أن دراسة الدكتور الفخرانى، على الرغم من أنه قد مضى عليها أربعون عاماً، إلا أنها ما تزال تشكل قيمة علمية رفيعة المستوى من حيث التحليل والمقارنات الداخلية مع الحمامات الرومانية.
وأما الدكتورة فاطمة سالم فقد قدمت لنا فى دراستها عن "فن الشعر لهوراتيوس" دراسة تحليلية نقدية دقيقة لروح الأدب فى عصر البطالمة وقد صحبت هذه الدراسة بترجمة لهوراتيوس، وتبدأ الدراسة ببيان أن النقد الأدبى قد تطور تطوراً يتجاوب مع تقدم الفكر اليونانى، فهو ثورة فكرية قام بها الفلاسفة الأيونيون، وتزعمها الشاعر الفيلسوف كسينوفانيس الكولوفونى ضد أساطير هوميروس التى تنسب إلى الآلهة والآلهات كل رذائل الإنسان.
ويشير الدكتور محمد عبودى إلى فكرة جديدة مهمة فى دراسته "استرابون يتحدث عن حملة إيليوس جاللوس على بلاد العرب" حيث يذكر أن وصف استرابون لبلاد العرب ينقصه الترتيب والتنسيق، لأنه لم يرافق الحملة. ويذكر أن استرابون يؤكد أن الحملة تمت مع بداية قيام الإمبراطورية الرومانية فى بداية عهد اكتافيوس ويشير إلى أن كلام استرابون يقرر أن هذه الحملة أضافت معلومات كثيرة للباحثين والعلماء وقتها. ويذكر الدكتور عبودى العوامل التى ذكرها استرابون فى بيان دوافع هذه الحملة، مثل محاولة قيصر كسب العرب إلى جانبه سلماً أو حرباً ، ومحاولته السيطرة على طريق الحرب والمال (لغنى العرب) أو حتى تأثر الرومان بما سمعوه عن بلاد العرب باعتبارها البلاد السعيدة أو المزدهرة، ثم ينتقل إلى الحديث عن فشل الحملة الرومانية على بلاد اليمن والذى يرجمه استرابون إلى جهل إيليوس جاللوس كقائد عسكرى بطبيعة بلاد العرب التى ذهب لمحاربتها.
أما الدراسة الأخيرة فى الجزء الأول من المجلد فقام بها الدكتور حسن عون عن "المكانة الأدبية لمدينة الإسكندرية فى عهد البطالمة" بعد أن يعهد المؤلف بالإشارة إلى تخطيط وبناء مدينة الإسكندرية، يذكر أنه قد تركزت فيها حركة ثقافية من علم وأدب وفنن ثم أنها قد بلغت أوج عظمتها فى فترة يسيرة من الزمن. وبعد أن يشير إلى العوامل التى ساعدت على ازدهار تلك الحركة الأدبية، يسرد عدداً من الإنجازات ممثلة فى عدد من الأشخاص منهم: ديمتريوس الفاليرى الذى كان خطيباً سياسياً من أقدر الخطباء، ومؤرخاً من أكبر المؤرخين. وكليومين الثالث الذى كان ملكاً لأسبرطه، ولم تكن شهرته فى الأدب أقل من شهرته فى السياسة وثيوكرتيس الذى يعتبر بحق المبتكر الأول لنوع جديد من الشعر عرف بشعر الرعاة وكاليماخوس وهو من الأدباء البارزين والمبتكرين، ويذكر المؤلف أن معظم هؤلاء الأدباء فروا من بلادهم نتيجة الاضطهاد، فاستقبلهم ملوك الإسكندرية، وبهذه العوامل مجتمعة تركزت فى مدينة الإسكندرية حركة أدبية علمية واسعة النطاق، وبعد أن كانت تتلقى معارف اليونان وتحذو فى الدرس حذوهم، بدأت تنقد هذه المعارف، ثم تؤلف وتبتكر فأصبح لها فى الطب وفى الأدب وفى الفلسفة وفى الرياضة والجغرافيا أراؤها الخاصة ومذاهبها الجديدة، ولهذا سادت مدينة الإسكندرية غيرها من المدن الجامعية المعاصرة، وأصبح يطلق عليها بحق "الوارثة لمدينة أثينا" كما يسميها بعض العلماء الأوربيين أو "أثينا الشرق" كما يسميها البعض الآخر، وينهى المؤلف بحثه بالحديث عن مكتبة الإسكندرية وأقسامها وما تحتويه من كتب ونشاط علمى بصفة عامة، مقارنة بما يسود فى المكتبات، وخاصة مكتبة دار الكتب المصرية.
ويضيف الدكتور ماهر عبد القادر أما المجلد الثانى فيحتوى على مجموعة من المقالات والدراسات المهمة التى تواصل الحديث عن الإسكندرية وإنتاجها العلمى وحالتها الثقافية والفلسفية وصلتها بغيرها من المدن الأخرى.
أما أول دراسة فى هذا المجلد فهى دراسة للدكتورة عنايات محمد أحمد تتحدث عن صورة فريدة للإسكندر الأكبر مرسومة على وعاء فخارى من مجموعة خاصة، حيث رسمت رأس ملكية للإسكندر الأكبر، وكما تقول صاحية الدراسة ليس لها مثيب فى الأعمال الفنية الأخرى، والوعاء الفخارى المرسوم عليها لرأس عبارة عن طبق مقعر القاعدة، والوعاء من مادة الفخار المغطى بطبقة زجاجية رقيقة باللون الأبيض العاجى، وأهم ما يميز الوعاء تناسق تكويناته، فهو مقسم عن طريق الخطوط الهندسية المزخرفة إلى ثلاث دوائر مختلفة المساحات، تشغل الدائرة الأولى قاع الإناء، وتشغل الدائرة الثانية المساحة الواقعة بين الإناء وحافة الإناء، أما الدائرة الثالثة فتشكل حافة الإناء المسطحة. ومن الملاحظ أن صورة الرأس الملكية تشغل قاع الإناء وهى مرسومة باللون البنى الضارب بالسواد وقد صارت فى وضع جانبى متجهاً ناحية اليسار.
وأما دراسة الدكتور عبد العزيز سالم بعنوان "منار الإسكندرية فى رؤية بعض الرحالة المغاربة" فيبرز الأهمية التى ظللت تشغلها منار الإسكندرية فى العصر الإسلامى، وهو ما لفت أنظار الرحالة المسلمين من أهل المغرب والأندلس الذين زاروا مصر وهم فى طريقهم إلى الأراضى المقدسة لأداء فريضة الحج، أو تلقى العلم أو الاشتغال بالتجارة، وتبين الدراسة أعمال الترميم والإصلاح التى أمر بها الحكام والسلاطين على مر العصور للمنارة.
أما كيف خططت مدينة الإسكندرية القديمة فهو سؤال مهم أجاب عنه الدكتور محمد عبد الحميد الحناوى فى بحثه بعنوان "تخطيط ومواقع الإسكندرية القديمة وتطورها حتى أوائل القرن التاسع عشر الميلادى" حيث يشير إلى أحياءالمدينة وتطورها حتى أوائل القرن التاسع عشر الميلادى وأهمها الحى الملكى وحى اليهود والحى الوطنى، ثم يتناول أسوار المدينة وأهميتها مبيناً أنه من المرجح أن الأسوار ابتدأ فى إقامتها أيام الإسكندر، ثم تمت فى عهد البطالمة، وزاد الرومان فى تحصينها، ويصف البحث أبواب المدينة والحصون والقلاع والتى منها قلعة الفنار وحصن المنارة وقلعة الركن وكوم الناضورة وكوم الدكة، ويصف بالإضافة إلى كل هذا الميناء القديم والميناء الجديد.
وتثير الدكتورة فكرية صالح فى بحثها بعنوان "رثاء الحيوانات عند الشعراء فى العصر السكندرى" بعض التصورات المهمة عن الحياة الأدبية وتشعبها إذ تؤكد أن الاتجاه الرومانى والذى أصبح سمة من سمات الأدب السكندرى كان سبباً وراء ظهور هذا النوع من أنواع الرثاء، فالرومانسية تعبير عن الروح الفردية وعن الذات الإنسانية، وهى تفسح المجال لظهور العواطف الذاتية والنزعات الفردية، وأن التعاطف امتد فى هذا الإطار إلى الحيوانات، ومما أدى إلى تطور هذه الحركة تطور فن الابجراما.
ويذكر الدكتور محمد بهجت قبيسى فى بحثه "قانون كرك اللا ومذبحة الإسكندرية 215م"، وضرورة القراءة المنهجية لأحداث التاريخ بعيداً عن روح التعصب والعداء، ولذا يتعقب الأحداث التى وقعت فى تلك الفترة، ووضع مدينة الإسكندرية السكانى الاجتماعى حيث ينتهى إلى تبرئة كرك اللا من دم المصريين الأصليين أصحاب الأرض، على خلاف كافة المؤرخين.
ويدرس الدكتور هابيل فهمى عبد الملك مسألة مهمة وهى "الزواج السياسى فى مصر الهيللينستية من عصر الإسكندر الأكبر حتى نهاية دولة البطالمة" حيث يكشف لنا أن الزواج السياسى لعبت دوراً هاماً فى تحريك الأحداث على المسرح السياسى فى العصر الهيللينستى بصفة عامة، وفى مصر بصفة خاصة، وقد انعكس هذا على الحياة السياسية فى مصر منذ عام 332 ق.م. وحتى سقوط مصر فى يد الرومان عام 30 ق.م.
ولكن هل هناك تشابه بين مدينة الإسكندرية القديمة وبعض المدن الأخرى؟ سؤال أجابت عنه الدكتورة سحر عبد العزيز سالم فى بحثها بعنوان "صور من مظاهر الحضارة المتشابهة بين مدينتى الإسكندرية ورباط الفتح" حيث تقارن بين مدينة الإسكندرية وكل مظاهر الحياة فيها مدينة رباط الفتح الأندلسية. والبحث يمتاز بالتحليل العميق والمقارنة الدقيقة بين المدينتين منذ القدم، ويدل على عقلية تاريخية عميقة.
وقد اختارت الدكتورة سهير محمد إبراهيم فى بحثها بعنوان "الموضوعية والأمانة فى وصف الرحالة الأجانب للإسكندرية فى العصور الوسطى" أن تبين مكانة مدينة الإسكندرية فى أدب الرحلات، وما تمتمت به من أهمية خاصة فى هذه الكتابات، وتكشف لنا أن الرحالة الأوروبيين الذين زاروا الإسكندرية فى العصور الوسطى وحتى بدايات العصور الحديثة، وقد التزموا جانب الموضوعية والدقة فى وصف هذه المدينة العريقة، وجاء تركيزهم بشكل أساسى على الأهمية الاقتصادية والأهمية التحصينية.
أما المجلد الثالث فإنه يحتوى على مجموعة دراسات تتناول موضوعاً محدداً هو الإسكندرية بدءاً من العصر الإسلامى، وهو موضوع جدير بإلقاء مزيد من الأضواء عليه، فقد انتقل مركز الثقل الحضارى فى ذلك الوقت إلى مدن أخرى، قديمة مثل دمشق فى أثناء حكم الأمويين أو جديدة أنشأها المسلمون مثل بغداد فى العراق، أو القاهرة فى مصر، وأصبح جل اهتمام المؤرخين والكتاب هو ما يدور فى هذه المدن، وما يخرج عنها من أفكار فلسفية وتيارات أدبية ومذاهب دينية، وتقلص الاهتمام بالإسكندرية فى ذلك الوقت، التى أصبح أكثر الحديث حولها يدور حول تاريخها القديم المجيد أو أنها إحدى الثغور الإسلامية المهمة فى مواجهة البيزنطيين، أصبح واجباً التنقيب فى المصادر القديمة للبحث عن صورة الحياة فى الإسكندرية فى جوانبها المختلفة الفكرية والاجتماعية والسياسية، وهذا ما فعله بعض أساتذة كلية الآداب ونشروا ما توصلوا إليه فى أعداد مجلة الكلية منذ العام 1944
الدراسة الأولى فى هذا الجزء تتحدث عن جانب خفى فى الإسكندرية فى القرن السادس وما بعده هو جانب التدريس والمدارس والكيفية التى كانت تنشأ بها هذه المدارس وتدار، وذلك من خلال الحديث عن أول أستاذ لأول مدرسة فى الإسكندرية الإسلامية. فى هذه الدراسة يبدأ الدكتور جمال الدين الشيال بالحديث عن أستاذه عبد الحميد العبادى أستاذ التاريخ الإسلامى، وطبيعة العلاقة العلمية التى كانت تربطهما معاً، وظروف تلمذته على يد الأستاذ العبادى، ويؤبنه فى عبارات مؤثرة ثم يتحدث عما أحيط بهذه المحاضرة العامة من ظروف، وبعد ذلك ينتقل إلى الجزء الثانى من دراسته، فى هذا الجزء يتحدث عن الطاهر بن عوف أول أستاذ لأول مدرسة فى الإسكندرية الإسلامية، يتبع فيه حركة إنشاء المدارس فى مصر الإسلامية التى بدأت فيما يقول مع قيام الدولة الأيوبية فيها، وذلك حينما أسس صلاح الدين الأيوبى المدارس المختلفة فى أنحاء مصر، وقد كان الهدف من ذلك نشر المذهب السنى، يرى الشيال أن الإسكندرية كانت أول مدينة مصرية عرفت المدارس ويبدأ فى ذكر بعض مدرسة أنشئت فى مصر كلها، وأما بقية الدراسة فتنصب على أب الطاهر بن عوف الذى كان أول أستاذ لهذه الدراسة، يتتبع نسبه وأساتذته وحياته، وحياته، وكيفية تعليمه وذلك من خلال المصادر التاريخية التى أرخت لهذه الفترة، كما يحاول تعيين مكان المدرسة الذى كان فى "شارع الحجة" قديماً، وهو شارع فؤاد حاليا، ويحاول كذلك أن يتتيع النظام الداخلى للمدرسة وما كان فيها. فى الدراسة الثانية يتحدث الدكتور صلاح هريدى عن الحجازيين وحياتهم الإقتصادية والإجتماعية فى مدينة الإسكندرية فى العصر العثمانى من العام 923 إلى 1213 هـ (1517-1715م) وهى دراسة وثائقية من سجلات المحكمة الشرعية بالشهر العقارى تحدث المؤلف عن اشتغاله بالتجارة لاحترافهم بعض الحرف وزواجهم وطلاقهم، وعلاقاتهم الاجتماعية مع بعضهم البعض ومع غيرهم سواء أكانوا من العرب أو من الأجانب. يتتبع فى البداية كيفية انتقالهم إلى مصر، واستقرارهم فى الإسكندرية منذ عهد ما قبل الإسكندر الأكبر، وطبيعة العلاقات التجارية التى تربط الحجاز بمصر، قبل الفتح الإسلامى وقبل استقرار عمرو بن العاص بها، ثم استقرار بعض الصحابة بالإسكندرية مثل أبى الدرداء وأبى ذر الغفارى، وكذلك عبد الله بن سعد بن أبى سرح، كما يتحدث عن روابط الحجاز بمصر فى أثناء حكم المماليك، وقد كان الحجاز فى ذلك الوقت تابعاً لمصر، وفى جزء أخر يتحدث عن حياتهم الاجتماعية وهذا الجانب شمل الزواج والطلاق والميراث والأوقاف والإعتداءات على بعضهم أو مع الآخرين والإشراف وغير ذلك من مظاهر الحياة الاجتماعية الأخرى ويذكر فى أثناء ذلك بعضاً من القصص الطريفة حول هذه الموضوعات، وذلك من واقع سجلات المحكمة الشرعية بالشهر العقارى، ويردف دراسته بمجموعة من وثائق تلك الفترة مثل وثيقة عن بيع فوط، أو شراء حجازى قمح من هوارى، أو عن احتراف بعض الحجازين حرفة الصراف، وغير ذلك.
وفى الدراسة الثالثة تحدث الدكتور جمال الدين الشيال عن الصلات الثقافية بين المغرب ومدينة الإسكندرية فى العصر الإسلامى، وذلك بمناسبة مرور أحد عشر قرناً على تأسيس جامعة القرويين يبدؤها بالرشاوة إلى أهمية الإسكندرية كثغر من ثغور الإسلام الذى كان يحمى دولة المسلمين، كما يشير إلى أن الإسكندرية كنانة الله يحمل فيها خير سهامة، وأن الإقامة فيها نوع من الجهاد، وأن من مات فيها فهو شهيد.
ثم يدلف إلى أهمية الإسكندرية كمعبر لمسلمى المغرب والأندلس إلى الأراضى الحجازية فقد كانت محطتهم الأولى فى طريقهم من الرباط إلى مكة يصلون إليها بعد رحلة طويلة وشاقة عبر الصحراء أو عبر البحر، وقد كان هؤلاء المغاربة يستأنفون رحلتهم إلى الأراضى المقدسة، ثم يعودون مرة أخرى عن طريقة الإسكندرية، فبعضهم يبقى فيها وبعضهم يستأنف رحلته، يشير كذلك إلى أن الإسكندرية بقيت على المذهب الرسمى فى ذلك الوقت هو المذهب الشيعى. ويذكر الدكتور الشيال بعد ذلك عدداً من علماء المغرب الذين استقروا فى الإسكندرية، منهم العالم الصوفى الكبير أبو بكر الطرطوشى الذى ولد فى سنة 450هـ واستقر فى الإسكندرية ومنهم الحافظ أبو الطاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفى الذى جاء من أصبهان واشتغل فى الإسكندرية بتدريس الحديث، ومنهم أبو الحسن الشاذلى الذى ولد فى سنة 593هـ فى مدينة سبتة، وجاء إلى الإسكندرية وعاش فيها فترة من الوقت، وكذلك ابن عطاء السكندرى وياقوت العرش والأباصيرى وأبو العباس المرسى وغيرهم.
أما الدراسة الرابعة كتبها الدكتور أبو العلا عفيفى الذى يتناول فيها الأثر الفلسفى الإسكندرية فى قصة حى بن يقظان. والدراسة تعد نموذجاً رفيع المستوى فى البحث الأكاديمى سواء فى لغتها العلمية الدقيقة التى تستخدم الجملة بدلالتها المضبوطة تماماً، وتحترز من إطلاق الحكم فى أى قضية إلا إذا سانده حشد كبير من الأدلة، أو فى منهجيتها، وتسلسل الفكرة فيها، وكذلك تناولت دراسته مدى تأثير ابن سينا بهذه الكتابات فى رسالته حى بن يقظان التى يتحدث عنها فى البداية ويحاول أن يلخصها فى لغة عادية بعيدة عن رمزيتها، كما يتحدث عن تسرب الثقافة الهرمسية إلى المسلمين، وبخاصة فى الأوساط الصوفية عن طريق الرهبان المسيحيين فى مصر وفى الإسكندرية موطن الكتابات الهرمسية الأصلى وعن طريق الطرق التى ورثت ثقافة الإسكندرية، وأما الدراسة الخامسة فيخصصها الدكتور محمد على أبو ريان لثقافة الإسكندرية القديمة وأثرها فى حضارات العصر القديم وفى الفكر الفلسفى الإسلامي خاصة.
والموضوع السادس ليس دراسة بالمعنى الدقيق يقدر ما هو بعض منتخبات من كتابات الإلمام بالإعلام فيما جرت به الأحكام والأمور المقضية فى واقعة الإسكندرية سنة 767هـ للنويرى السكندرى وهو يشرح فيه حال الإسكندرية فى أثناء الحملات الصليبية، والموضوع بأكمله لا يمكن تلخيصه إذ يحكى تفاصيل كثيرة، ويؤرخ لفترة مهمة بين المسلمين والمسيحيين واليهود.
أما الدراسة الأخيرة فهى دراسة الدكتور عبد المحسن عاطف سلام عن الحركة الأدبية فى الإسكندرية الحديثة، حاول فيها أن يبرر إفراد الإسكندرية بحديث مستقل عن حركتها الأدبية مؤكداً فى الوقت نفسه على أنه لن يحاول فى هذا البحث أن يتتبع الظواهر العامة التى ميزت إنتاج الإسكندرية فى تاريخها الطويل بل سيقنع بالقليل ويرتضى بالحدود الضيقة التى يفرضها عنوان البحث وسينطلق من النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

ليست هناك تعليقات: