الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

الإسكندرية عبر العصور .. المدينة التى تجد كل ما تشتهيه فيها !!


فى ظل التطورات الهائلة التى تشهدها مدينة الإسكندرية حاليا قامت الهيئة الإقليمية لتنشيط السياحة بالإسكندرية بإصدار كتاب ضخم حول الإسكندرية عبر العصور ويعد هذا الكتاب مرجعا شاملا للإسكندرية سواء للباحثين أو المثقفين أو المطلعين بصفة عامة ويضم لأول مرة سجلا مصورا لكل المحافظين الذين تولوا منصب محافظ الإسكندرية بداية من خورشيد باشا (عام 1840-1863) وحتى اللواء محمد عبد السلام المحجوب كما يشتمل الكتاب على خريطة الإسكندرية السياحية ويقسم الإسكندرية عدة أقسام فى مراحلها التاريخية يبدأ منذ نشأتها على يد الإسكندر حتى الفتح العربى عام 321 ق.م وحتى 641م، ثم الإسكندرية والمسيحية والإسكندرية فى العصر الإسلامى وأخيرا الإسكندرية فى العصور الحديثة..
ويقول اللواء حازم أبو شليب رئيس هيئة تنشيط السياحة بالإسكندرية والمشرف على تنفيذ هذا الكتاب أن الهيئة قررت أن يكون هذا الكتاب للقارئ غير المتخصص لتكون هناك إطلالة للجميع على الإحاطة بما أوجزه هؤلاء الأساتذة العلماء عن تاريخ وحضارة أقدم إسكندريات العالم بل وأقدم مدن التاريخ والتى تضرب فى أغوار الزمن بما يزيد كثيرا عن الألفين من السنين.. كما تزمع الهيئة أن تقوم بترجمة هذا الكتاب إلى عدة لغات أجنبية ليقرأه العالم أجمع ويتعرف على عظمة تاريخ إسكندريتنا الحبيبة..
وتروى فصول هذا الكتاب قصة مدينة الإسكندرية منذ أرسى الإسكندر الأكبر أساسها فى الخامس والعشرين من شهر طوبة عام 331 ق.م إلى يومنا هذا وهى قصة مجيدة تكشف للقارئ عن الدور الهام الذى أسهمت به مدينتا فى بناء الحضارة الانسانية، فما أن استكملت المدينة مقوماتها حتى أتخذها بطليموس الأول عاصمة لملكه الجديد الذى ساده على جنيات الوادى، ثم أخذ يضفى عليها هو وأبناؤه من بعده كل أسباب المجد والعظمة حتى غدت أكبر ميناء فى البحر الأبيض المتوسط حينذاك، بل غدت عاصمة العالم القديم بأسره وظلت الإسكندرية تتمتع بمكانتها الرفيعة هذه طوال العصر البطلمى، حتى فتح الرومان مصر وحولوها إلى ولاية من ولايات امبراطوريتهم الواسعة فى عام 30 ق.م، وبقيت الإسكندرية مركزا لحكم الوادى أكثر من ستة قرون أخرى انتهت بالفتح العربى.
ويشرح الكتاب للقارئ ويوضح له الظروف التى أتت بالإسكندر إلى مصر، وجعلت المصريين يقابلونه بترحاب لم يظفر به غيره من الغزاة الفاتحين.. حيث ترجع علاقة مصر ببلاد الأغريق إلى ما قبل مجئ الإسكندر بعدة قرون، عندما قام تجار مدينة ميلتيوس الاغريقية –بآسيا الصغرى- بدور الوسطاء بين المملكة الليدية وشعوب البحر المتوسط فقد تمكنوا فى أواخر القرن الثامن قبل الميلاد من تأسيس محلة لهم فى دلتا النيل هى التى عرفت فيما بعد باسم (تقراطيس) وهى قرية "كوم جعيف" الحالية بمحافظة البحيرة.. وكانت ظروف مصر السياسية آنذاك هى التى عاونت هؤلاء التجار الأغريق على دخولها ذلك أن أبسماتيك الذى أسس الأسرة السادسة والعشرين الفرعونية، لم يستطع أن يحرر البلاد من الاستعمار الآشورى إلا بفضل المرتزقة الإغريق فكان حريا به أن يرد الجميل بالتودد إلى الأغريق والسماح لتجارهم بالإقامة فى مصر..
وحين وقعت البلاد فريسة فى أيدى الفرس وهب المصريون ثائرون يريدون استرداد حريتهم المسلوبة ووجدوا العون كل العون من الأغريق فقد أمدهم الآثينيون بقوة بحرية كبيرة، ولم يتوان الجند الأغريق عن الانتظام فى صفوف الثوار المصريين كلما طلب إليهم ذلك، على حين كانوا يرفضون الاشتراك فى صفوف القوات الفارسية التى تحشد لإخماد الثورات المصرية.
وظلت علاقة المصريين بالإغريق قوية وطيدة طوال أعوام الاستعمار الفارسى لوادى النيل، برغم كل التفكك والانحلال الذى كانت بلاد الأغريق تعانيه آنذاك، فلما استطاعت مقدونيا أن توحد الأغريق وأن تخلق منهم قوة متماسكة مترابطة عزم ملكها فيليب على القيام بغزوة كبرى يحطم بها الامبراطورية الفارسية، لكن الأقدار لم تمهله، فقضى نحبه قبل أن ينفذ مشروعه العظيم تاركا المهمة لأبنه وخليفته الإسكندر الأكبر.
وبدأ الإسكندر الأكبر حملته الكبرى فانتصر على قوات الملك الفارسى عند نهر جرانيكوس فى آسيا الصغرى ثم ألتقى به بعد ذلك بستة أشهر عند لسوس فى كيليكيا (نوفمبر سنة 333) فظفر بنصر جديد شتت شمل قوات الملك الفارسى دارا وجعله يفر فزعا إلى قلب آسيا، وكان بوسع الإسكندر أن يغتنم هذه الفرصة المواتية فيتبع خصمه وهو مبعثر القوى وينزل به الهزيمة النهائية فى عاصمة ملكه.. ولكن الإسكندر برغم صغر سنه كان يتمتع بعقلية السياسى المحنك وكفاية القائد الماهر فأدرك أن اقتناء أثر الملك الفارسى سوف يؤدى إلى النصر حقيقة ولكنه سوف يكون نصرا براقا غير مأمون العاقبة ما دامت قوات هذا الملك تسيطر على البحر وشواطئه الشرقية ومن ثم تصبح سهما مصوبا نحو ظهره، لهذا آثر أن يستولى أولا على تلك الشواطئ حيث قواعد الأسطول الفارسى ومن ثم اتجه جنوبا فاحتل كل موانى ومدن الساحل الشرقى للبحر المتوسط ووصل بعد ذلك إلى مصر فى خريف عام 332 ق.م فسلم له الوالى الفارسى دون مقاومة، وتقدم الإسكندر إلى منف بين مظاهر الترحيب الشديد من أبناء مصر الذين كانوا يتوقون إلى الخلاص من الحكم الفارسى البغيض ذلك الحكم الذى أنزل بهم صفوف العسف والإرهاق وازدرى ديانتهم أشد الأزدراء. ولا يسع المؤرخ المنصف إلا أن يلتمس العذر للمصريين فى ترحيبهم الشديد بالإسكندرية وقواته، فهم لم يعتبروه مستعمرا جديدا وإنما نظروا إليه كحليف وصديق جاء يعاونهم على استخلاص حريتهم من براثن الفرس كما عاونهم الأغريق من قبل أيام ثوراتهم المتكررة ضد هؤلاء المستعمرين، وكانت الصداقة التى توطدت أواصرها بين الأغريق والمصريين طوال فترة الاحتلال الفارسى على نحو ما ذكرنا، ثم المسلك الكريم الذى سلكه الإسكندر تجاه أبناء الوادى وعقائدهم الدينية، كفيلان بتبديد نظرة المصريين هذه إلى الإسكندر وقواته ولا سيما بعد أن توج نفسه على نهج الفراعنة الأقدمين وحمل لقب (ابن آمون) فاعتبر مؤسسا لأسرة فرعونية جديدة..
وكان أبقى وأعطى عمل قام به فى بابل حوالى منتصف يونيه 323 ق.م وهو يعد فى الثالثة والثلاثين من عمره فقسمت إمبراطوريته بين قواده وكانت مصر من نصيب القائد بطليموس بن لاجوس الذى حكمها أول الأمر كوال يصرف الشئون باسم السلطة المركزية، ثم أعلن استقلاله بها فى عام 306 ق.م وحمل لقب "ملك".
ومنذ اللحظة الأولى وجه بطليموس الأول عناية كبرى نحو مدينة الإسكندرية فنقل عاصمته إليها وأضفى عليها هو وخليفته بطليموس الثانى من رعايتها ما جعلها أعجوبة العالم حينذاك ترتفع فى مينائها –فوق جزيرة فاروس- هذه المنارة الشهيرة التى خلعت أسمها من بعد على مثيلاتها فى كثير من اللغات الحديثة، وفى المكان المعروف باسم (سيما) كان يرقد جثمان الإسكندر الأكبر وفى منطقة راقودة القديمة كان معبد السرابيوم الشهير يقوم شاهدا على أن سرابيس كان إلها مصريا وبها أيضا أقيم معهد للتربية وميدان للألعاب الرياضية وحلبة لسباق الخيل ومسرح كبير، كما شيد القصر الملكى الرئيسى فوق جزيرة صغيرة شرقى الميناء، وإلى جواره دار العلم والمكتبة التى جمع لها البطالة أكثر من نصف مليون لناقة بردية، وقد نزل بها وبدار العلم عدد من العلماء الذين وضعوا أسس علوم التصنيف ونقد النصوص، كما وضعوا قوائم للمؤلفات الأغريقية الأدبية وفتحوا مؤلفات هوميروس وابتكروا علامات الاستفهام والتعجب وما إليها من فواصل الكلام وفى الإسكندرية استطاع أريستاخوس أن يكشف دوران الأرض حول الشمس، كما استطاع أراثوسثنيس أن يقيس محيط الكرة الأرضية دون أن يخطئ فى أكثر من خمسين ميلا، وفيها كتب أقليدس كتاب المبادئ فى علم الهندسة واخترع هيرون الآلة البخارية وذاع صيت مدرسة الطب السكندرية ولاسيما فى التشريح والجراحة.
هذه هى الإسكندرية التى بهرت أبصار كل من رأها بجمالها وبهائها ولقد تغنى بها الكتاب والشعراء منذ نشأتها الأولى ووصفوها بأنها المدينة التى يجد الإنسان فيها كل ما تشتهيه نفسه وقد عرف سكانها إلى جانب الجد فى مكتبتها ومتحفها –ضروب اللهو والمتعة التى اجتذبت كثيرا من الأجانب وأهل الأقاليم حتى لقد شبهها أحد الكتاب المحدثين بمدينة فلورنسا فى عهد أسرة مديتشى حيث نجد النشاط الفنى والأدبى والعلمى جنب إلى جنب مع المسرح والبهجة والاستمتاع بملذات الحياة..
ولا تزال الإسكندرية فى أيامنا هذه أكبر ميناء فى جمهورية مصر العربية ومركزا لنشاط علمى وتجارى وصناعى هائل وتسعى حثيثا لتتبوأ المكان المرجو لها .

ليست هناك تعليقات: